عزام لـ "مصر الآن" :استراتيجية إقليمية أوسع تسعى تل أبيب لتنفيذها في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر
قال الكاتب الصحفي حسن عزام في تصريحات خاصة لموقع " مصر الآن" إنه وفي عام 1991، وبينما كانت الصومال تغرق في أتون حرب أهلية طاحنة أعقبت سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري، أعلنت المنطقة الشمالية من البلاد انفصالها من جانب واحد تحت اسم جمهورية أرض الصومال. هذا الإعلان لم يكن وليد اللحظة، بل كان تتويجاً لتاريخ طويل من التهميش والصراع والمظالم التي شعر بها سكان هذه المنطقة منذ توحيد الصومال البريطاني والصومال الإيطالي في عام 1960.
تمتد أرض الصومال على مساحة تقارب 176 ألف كيلومتر مربع في القرن الأفريقي، وتطل على خليج عدن بساحل يمتد لمئات الكيلومترات، مما يمنحها موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية. عاصمتها هرجيسا، وهي موطن لما يقارب خمسة ملايين نسمة، معظمهم من قبائل إسحاق التي تشكل العمود الفقري للكيان الانفصالي. منذ إعلان الانفصال، بنت أرض الصومال مؤسسات حكومية خاصة بها، ولها برلمان وجيش وعملة محلية، وأجرت انتخابات رئاسية وبرلمانية متعددة وصفها مراقبون دوليون بأنها كانت نزيهة نسبياً.
وأضاف عزام لكن رغم كل هذا البناء المؤسسي والاستقرار النسبي الذي حققته أرض الصومال مقارنة بالصومال الفيدرالية التي ظلت تعاني من الفوضى والصراعات لعقود، فإن المجتمع الدولي ظل يرفض الاعتراف بها كدولة مستقلة. الاتحاد الأفريقي، الذي يضم في عضويته الصومال، تمسك دائماً بمبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار، خشية أن يفتح الاعتراف بأرض الصومال الباب أمام موجة من الانفصالات في قارة تعج بالنزاعات الإثنية والإقليمية. الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، جميعهم أبدوا تفهماً للتطلعات الانفصالية ولكنهم حافظوا على موقف رسمي يعتبر أرض الصومال جزءاً من الصومال الفيدرالية.
وأشار إلى أنه وفي هذا السياق من العزلة الدبلوماسية التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، جاء الإعلان الإسرائيلي بمثابة زلزال سياسي في المنطقة. إسرائيل أصبحت أول دولة تمنح أرض الصومال اعترافاً رسمياً كدولة مستقلة ذات سيادة. هذه الخطوة لم تكن مفاجئة تماماً لمن يتابع تطور العلاقات بين الطرفين، فقد سبقها تقارب ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، تضمن زيارات غير معلنة لمسؤولين إسرائيليين إلى هرجيسا، وتقارير عن تعاون أمني واقتصادي متنامٍ.
الدوافع الإسرائيلية لهذا الاعتراف متعددة ومعقدة، وتعكس استراتيجية إقليمية أوسع تسعى تل أبيب لتنفيذها في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. الموقع الاستراتيجي لأرض الصومال على مدخل باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، يمثل أهمية بالغة لإسرائيل في ظل التهديدات المتصاعدة للملاحة في هذه المنطقة. ميناء بربرة، الميناء الرئيسي في أرض الصومال، يمكن أن يوفر لإسرائيل منفذاً بحرياً بديلاً وموطئ قدم استراتيجياً في منطقة حيوية، خاصة في ضوء التوترات المستمرة مع الحوثيين في اليمن والنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.
علاوة على ذلك، فإن الاعتراف الإسرائيلي يأتي ضمن سياق توسع العلاقات الإسرائيلية مع دول أفريقية عديدة في السنوات الأخيرة، وهي استراتيجية تهدف لكسر العزلة الدبلوماسية التي فرضتها القضية الفلسطينية تاريخياً على إسرائيل في القارة الأفريقية. بالنسبة لأرض الصومال، التي ظلت تبحث عن أي اعتراف دولي يمكن أن يفتح لها الباب نحو الشرعية الدولية، فإن الاعتراف الإسرائيلي يمثل اختراقاً دبلوماسياً مهماً، حتى لو جاء محملاً بتعقيدات سياسية كبيرة.
وأوضح أن ردود الفعل على هذا الاعتراف كانت متباينة وحادة. الحكومة الصومالية الفيدرالية في مقديشو أدانت الخطوة بشدة، واعتبرتها تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للصومال وانتهاكاً لسيادتها الإقليمية. استدعت الصومال سفراءها من عدة دول، وطالبت الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية بموقف حاسم ضد ما وصفته بالعدوان الإسرائيلي على وحدة البلاد. الموقف الصومالي يعكس مخاوف عميقة من أن يشجع هذا الاعتراف دولاً أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، مما قد يؤدي في النهاية إلى تفكك نهائي للدولة الصومالية.
وقال إنه وفي المقابل، استقبلت حكومة أرض الصومال الاعتراف الإسرائيلي بابتهاج كبير، ووصفه الرئيس موسى بيحي عبدي بأنه لحظة تاريخية لشعب أرض الصومال الذي ناضل طويلاً من أجل الاعتراف الدولي. الشوارع في هرجيسا شهدت احتفالات شعبية، رغم أن قطاعات من المجتمع الصومالي الشمالي أبدت قلقاً من طبيعة هذا الاعتراف ومصدره، خاصة في ظل الحساسيات الدينية والسياسية المرتبطة بإسرائيل والقضية الفلسطينية في العالم الإسلامي.
الدول العربية، وخاصة تلك التي لها مصالح استراتيجية في القرن الأفريقي مثل مصر والسعودية والإمارات، وجدت نفسها في موقف حرج. من جهة، تربطها علاقات متنامية مع إسرائيل في إطار اتفاقيات السلام والتطبيع، ومن جهة أخرى، فإن دعم الانفصال في الصومال يتعارض مع المبادئ التي تتمسك بها هذه الدول فيما يتعلق بوحدة الأراضي والسيادة الوطنية. مصر بشكل خاص، التي تعتبر استقرار الصومال أمراً حيوياً لأمنها القومي في ضوء قضية سد النهضة الإثيوبي وملف مياه النيل، أبدت قلقاً من أن يؤدي هذا التطور إلى مزيد من عدم الاستقرار في منطقة حيوية بالنسبة لها.
وأشار إلى أن إثيوبيا، الجارة المباشرة لأرض الصومال والتي لها علاقات اقتصادية وثيقة معها، وخاصة فيما يتعلق باستخدام ميناء بربرة كمنفذ بحري بديل بعد فقدانها الوصول المباشر إلى البحر بعد استقلال إريتريا، وجدت نفسها في موقف دقيق. رغم أن أديس أبابا لم تعترف رسمياً بأرض الصومال، إلا أنها تتعامل معها كياناً شبه مستقل في الواقع العملي، مما يثير غضب مقديشو باستمرار. الاعتراف الإسرائيلي قد يشجع إثيوبيا على اتخاذ خطوات أكثر جرأة في علاقتها مع هرجيسا، خاصة إذا رأت في ذلك مصلحة استراتيجية.
على المستوى الدولي الأوسع، فإن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال يثير تساؤلات معقدة حول مبادئ القانون الدولي وحق تقرير المصير. من جهة، يمكن القول إن شعب أرض الصومال، الذي كان يشكل كياناً مستقلاً لبضعة أيام عام 1960 قبل الاتحاد مع الصومال الإيطالي، وبني خلال أكثر من ثلاثة عقود مؤسسات ديمقراطية وأجرى انتخابات حرة، يستحق الاعتراف بحقه في تقرير مصيره. من جهة أخرى، فإن الاعتراف الأحادي من دولة واحدة خارج الأطر الدولية المعتادة، وفي ظل معارضة الدولة الأم والمنظمات الإقليمية، يشكل سابقة خطيرة قد تؤدي إلى تشجيع حركات انفصالية أخرى حول العالم وتهديد الاستقرار الإقليمي.
التداعيات الإقليمية لهذا الاعتراف قد تكون بعيدة المدى. في منطقة تعج بالصراعات والنزاعات الحدودية والإثنية، من جنوب السودان إلى إثيوبيا نفسها التي تواجه تحديات انفصالية في تيغراي وأوروميا، فإن نجاح أرض الصومال في الحصول على اعتراف دولي قد يلهم حركات مماثلة ويزعزع التوازنات القائمة. في الوقت نفسه، فإن زيادة النفوذ الإسرائيلي في القرن الأفريقي، في منطقة تشهد منافسة محتدمة بين قوى إقليمية ودولية متعددة من تركيا إلى الخليج إلى الصين، سيعيد رسم خريطة التحالفات والمصالح بطرق قد لا يمكن التنبؤ بها بالكامل.
وقال إنه وبالنسبة للمواطن العادي في أرض الصومال، فإن الاعتراف الإسرائيلي يحمل معه آمالاً كبيرة ومخاوف عميقة في آن واحد. الآمال تتمثل في إمكانية الحصول على مساعدات تنموية واستثمارات اقتصادية وشرعية دولية قد تفتح الباب أمام اعترافات أخرى. المخاوف تنبع من الثمن السياسي والأخلاقي لهذا الاعتراف، خاصة في مجتمع محافظ ومتدين يشعر بتعاطف عميق مع القضية الفلسطينية، ومن احتمال أن تتحول أرض الصومال إلى ساحة للمواجهات الإقليمية والدولية بدلاً من أن تحقق الاستقرار والازدهار الذي تتطلع إليه.
يبقى مستقبل أرض الصومال معلقاً بين الطموح والواقع، بين الرغبة في الاستقلال والحاجة إلى الاعتراف الدولي، وبين التحالفات الاستراتيجية والقيم الأخلاقية. الاعتراف الإسرائيلي، رغم أهميته الرمزية، لا يحل المعضلة الأساسية التي تواجهها هذه الجمهورية الانفصالية، فالاعتراف الدولي الشامل يتطلب موافقة المنظمات الإقليمية والدولية، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل المعارضة الصومالية الشرسة والموقف الأفريقي المتحفظ. لكن هذه الخطوة الإسرائيلية قد تكون قد فتحت فصلاً جديداً في قصة أرض الصومال الطويلة، فصلاً قد يحمل معه إمكانيات جديدة وتحديات غير مسبوقة، في منطقة لطالما كانت ملتقى للتاريخ والجغرافيا والمصالح الدولية المتشابكة.




-2.jpg)




